time GMT

الأحد، 27 مايو 2012

فوضى أطفال المدارس و إشكالية التواصل معها ؟



مع دخول منظومتنا التربوية غرفة العناية المخصصة،شرع المهتمون بقطاع التربية و التكوين و المفكرون و السياسيون و رجال الإعلام و الشركاء الاجتماعيون في تسليط الضوء على أهم الاختلالات و الأسباب التي تعيق تنمية هذا القطاع لعقود طويلة من الزمن، وذلك بغية إيجاد علاج فوري للازمة و تجاوز مرحلة الخطورة من جهة وتوفير الضمانات الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة من جهة ثانية. فبرز حينها الحديث عن ظاهرة الاكتظاظ – المدمرة- بالفصول الدراسية، التي تعد إحدى اكبر المشاكل التي تهدد مستقبل المدرسة المغربية، وما ينشأ عنها من ظواهر سلبية، بين المتعلمين من سرقة و غش و شغب و تدافع وملاسنة و تلاكم في بعض الأوقات ناهيك عن حصول الملل و فقدان شهية التتبع و التركيز لدى المتعلم، اللذان يفضيان في غالب الأحيان إلى الإهمال و التخلف الدراسي، الذي بدوره يعصف بالمتعلم في نهاية المطاف الى التكرار او الهدر المدرسي.
ومعلوم أن عنصر الشغب يؤثر على العملية التعليمية على مقدار درجة سخونته و نشاطه داخل كل حجرة دراسية على حدة، مادام يشكل أحد الوسائل والمنافذ الطبيعية للمتعلم للتعبير عن مشاعره و حاجاته و متطلباته الشخصية. ويختلف حجمه ووعاؤه الزمني باختلاف النظام الذي تسير عليه المؤسسة أولا ثم الوضعية التي توجد عليها الحجرة الدراسية- من حيث النظافة والحماية الصحية- ثانيا ثم شخصية المدرس ثالثا وثقافة أوساط التلاميذ رابعا.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذا المدخل هو:
هل يعود شغب الأطفال الى سلوكات مرضية؟ او بالأحرى متى تكون كذلك؟
وعلى العكس مما سبق هل تعتبر طاهرة الفوضى التي تجتاح مدارسنا التعليمية تصرفات و سلوكات طبيعية و صحية؟ الى أي حد يمكننا أن نقبل بالشغب داخل فصول مؤسساتنا الدراسية؟
للإجابة على التساؤلات التالية، سأعتمد المفاتيح الآتية:
·          الشغب وديناميته في إثبات شخصية الطفل :
إن الأحكام التي يطلقها الراشدون دوما اتجاه ظاهرة الفوضى التي اجتاحت فضاءات مؤسساتنا التعليمية بكل مستوياتها الدراسية و العلمية، هي أحكام قيمية جاهزة، تنتقص في الغالب من شخصية الطفل و تنعته دوما بالدونية و الحماقة و اللام تمييز للأشياء ومن هنا يلاحظ أن هذه التقييمات لا تنم عن اطلاع عميق بعالم الطفولة و ما يحفل به وسطها من سحر و متعة و إبداع و جدية و مبادرة. ويكفي هنا أن نشير إلى ما حققه الكسندر نايل، مع أطفال مدرسة سامير هيل بالرغم من السلوكيات الشاذة و المنحرفة التي كانت تعتري تعاملهم سواء بالبيت مع والديهم أوفي المدرسة مع زملائهم و أساتذتهم . لقد أكد علماء الاجتماع و علماء النفس على حقيقة مفادها أن الطفل الذي يزداد خارج المجتمعات البشرية، في الغابة مثلا- حيث لايجد من يكلمه و يتواصل معه، ينمو أبكما و بدون لغة ، اذا تجاوز سن الثانية عشر من عمره .ولعل فيلم الطفل المتوحش خير دليل في هذا الباب. وبناء علية، يمكن القول أن طاهرة الشغب التي كثر الكلام عنها مؤخرا هي طاهرة طبيعية يتفاعل الطفل معها بتلقائية كبيرة حيث لا يستأذن ولا يستشير فيها احد مادامت نابعة من أعماقه ومعبرة عن رغباته و متطلباته الداخلية، فهي إذن ليست طاهرة مرضية و لن تكون- أبدا – كذلك. باستثناء إذا ابتلي هؤلاء بمس من الجنون او باختلالات عقلية.
وللتذكير فان ظاهرة الفوضى آو الاكثار من الكلام و الضجيج هي طاهرة اجتماعية بامتياز، ملازمة للإنسان عبر العصور التاريخية وذلك للاعتبارات التالية:.
1-      الإنسان اجتماعي بطبعه.
2-      المرافق الاجتماعية( المسجد، السوق، المحطة الطرقية ، المكتبة، المدرسة، المستشفى، الإدارة....الخ) تستدعي الحوار و التواصل و تبادل التحية و المعلومات حول الأوضاع المعيشية.
3-     في غياب هذه الحركة، هناك الصمت المريب و المخيف ، كمؤشر عن خطر معين أو مرض معين، فالعزلة و الانطواء والخجل و التردد على التواصل مع الغير هو الذي يعد سلوكا مرضيا وليس العكس.
4-     إقبال المتعلم على استهلاك الكلام مع رفاقه داخل الحجرة الدراسية ،سلوك يعود إلى التأثيرات التي تطبع حياة الطفل من خارج المدرسة، إذ بقدر ما يكون المحيط الأسري للطفل متواصل مع بعضه ومع هذا الأخير تحديدا، كان هذا الاخيرا أكثر استعدادا و جاذبية للحديث مع أصدقائه و لو تعلق الأمر بساعة الشرح أو كتابة الدرس.
5-     الأطفال الذين لا يتعاطون هذه السلوكات ولا يشقون هذا المنعطف، هم حتما تسكنهم هواجس الخوف و مساطر التأديب التي لا تفارق مخيلتهم من لبيت.
·          الفوضى وديناميتها في تبرير حياة المدرسة:
كان السيد الوزير: احمد اخشيشن محقا في مطالبة المؤسسات التعليمية بهدم أسوارها، حتى تدب الحياة في فضاءاتها و يتمكن المجتمع من الإحساس بتواجدها عن طريق سماع أبناء الوطن وهم يقرؤون القران الكريم أوالقراءة أو ينشدون أناشيد . إذ بالإضافة إلى الأسوار العالية التي تحجب نفاذ أشعة الشمس إلى أعماقها ، يضرب الصمت القاتل حصارا قويا على حركتها و إشعاعها.
لقد عانت المدرسة الوطنية كثيرا مع سيادة الأساليب التقليدية التي تعتمد الترهيب و العقاب، مما دفع بالطفل الى تبوء مكانة سلبية في العملية التعليمية ، حيث تمركز دزره على الإنصات و التلقي فقط دون قدرته على الملاحظة و إبداء الرأي أي دون قدرته على الكلام. وإذا كانت الطرق البيداغوجية الكلاسيكية قد قتلت في المتعلم الفضول العلمي المتمثل في الملاحظة و طرح الأسئلة وإبداء الرأي و اخذ المبادرة، فان الأساليب البيداغوجية الحديثة اليوم قد أعادت الاعتبار للطفل و المدرسة الوطنية على حد سواء، وذلك بجعل مصلحة هذا الأخير فوق كل اعتبار، وذلك انسجاما مع ما جاءت به مواد و قواعد المواثيق الدولية.
إن دينامكية الفوضى هي التي تطمئن اليوم الآباء و الأمهات على استمرار حياة المؤسسة التعليمية التي يتابع بها أولادهم دراستهم، إذ كم عذب و جميل أن تمتزج الفوضى بالأنشطة الفنية و الترفيهية و يسمع الآباء أصوات فاذات كبدهم و هم يعنون أو يمثلون أو يركضون وراء الكرة.
إن ضجيج الطفل ليس دليلا على حضوره فحسب – سواء داخل البيت أو المدرسة أو الشارع - و إنما برهان مهم على شجاعته و إبراز شخصيته و إبداعه و انخراطه في جماعة القسم . ويكفي أن أشير في هذا الصدد إلى المفكرة الفرنسية الكبيرة: فرنسواز دلتو حينما اعتبرت أن:" ما يفرزه الطفل في ملابسه من بول و غائط لا يعود دوما إلى حالة طبيعية أو اضطرارية و إنما قد يفعل ذلك متعمدا كرد فعل لشد أنظار البالغين إليه ، أو لإظهار قدرته على الفعل.
وبما أن هذه الفئة البشرية هي الحلقة الضعيفة في سلم الهرم البشري ، وتتمتع بخصائص وسمات خاصة سواء من حيث الإدراك أو التمييزاو البنية الجسمية، فقد بات من اللازم إيجاد صيغ و آليات خاصة للتواصل مع تمردها و اللامبااتها، تماما كما فعل المشرع الجنائي الوطني لما استبدل العقوبة باعتماد تدابير وقائية أو إصلاحية في حق الحدث الجانح مادام الهدف هو حمايته ورعايته و العمل على إبعاده عن السلوكات المنحرفة التي يجرمها القانون.


وإذا كان الأموات قد أراحوا المقابر من ضجيج حركاتهم ، فكيف نقل بالصمت في صفوف صغارنا- نواة المستقبل-؟ أليس بإمكان إكراه الأطفال على التزام الصمت أن يولد لديهم عقدا نفسية في الكلام و التواصل مع الآخرين؟
إذن عن أي فوضى يتحدث هؤلاء؟ أين نحن من مبدأ النمو والمشاركة التي أقرتهما اتفاقية الطفل الدولية عام 1989م؟


الحسين وبا
مهتم بشؤون الطفولة

0 التعليقات:

إرسال تعليق